وحيد كمصباح الطريق

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

مصباح الطريق


في ليلةٍ حالكة السواد، حيث الصمت يغلف الطرقات كغطاءٍ ثقيل، وقفتُ تحت ضوء المصباح الوحيد الذي ينثر أشعته الصفراء بخجل على الإسفلت اللامع بعد مطرٍ عابر. لا شيء هنا سوى هذا الضوء، وأنا.


كان الطريق يمتد أمامي بلا نهاية، تتناثر على جانبيه ظلال الأشجار كأشباحٍ صامتة، وكأن الكون بأسره قد توقف عن الحركة، متجمدًا في لحظة من الزمن. في تلك اللحظة، شعرتُ وكأنني آخر إنسانٍ على وجه الأرض.


المصباح الذي فوقي، رغم ضعفه، كان بمثابة أنيسٍ في هذه العزلة. هل سبق وأن شعرتَ أن ضوءًا يمكن أن يواسي وحدتك؟ إنه شعور غريب، أن تجد العزاء في شيء جامد، لكنه لا يحكم عليك ولا يطالبك بشيء.


راودتني أفكار كثيرة وأنا أحدق في الضباب الذي يلتف حول الضوء. أفكارٌ عن الماضي، عن الأشخاص الذين رحلوا، وعن الأيام التي طواها الزمن بلا رجعة. ربما هذا المصباح مثلنا تمامًا، يقف وحيدًا لكنه يضيء لغيره دون شكوى أو تذمر.


في تلك اللحظة، أدركتُ شيئًا؛ الوحدة ليست دائمًا عدوا. أحيانًا تكون مرآةً نواجه فيها أنفسنا، وفرصةً لنسمع صوتنا الداخلي بعيدًا عن صخب العالم.


ثم، على بُعد، ظهرت أضواء سيارة صغيرة تخترق الظلام. تحرك قلبي بشيء من الأمل، شعرت أن هذه الوحدة لن تدوم، وأن الضوء مهما كان ضعيفًا، قادر على إرشاد من تاه في الظلام.


هكذا هي الحياة، حتى في أحلك اللحظات، هناك دائمًا مصباحٌ صغير، يقف وحيدًا لكنه يضيء الطريق.


تعليقات

عدد التعليقات : 0