الأندلس

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

لطالما كنت أتمنى أن أعيش في فترة الحكم العربي الإسلامي في الأندلس حلمٌ داعب خيالي كثيراً.. 

الأندلس، أو إسبانيا الإسلامية، هي منطقة تاريخية غنية بالثقافة والتاريخ. عاش في الأندلس مزيج من المسلمين والمسيحيين واليهود، مما خلق مجتمعًا متنوعًا ثقافيًا و فنيًا و علميًا. كانت قرطبة وغرناطة وإشبيلية من المدن الرئيسية التي شهدت ازدهارًا كبيرًا في العلوم والفنون والعمارة خلال فترة الحكم الإسلامي.من الجدير بالذكر أن الأندلس تركت تأثيرًا عميقًا على الثقافة الأوروبية من خلال نقل العلوم والمعارف والفنون التي نشأت وتطورت هناك.

روعة الاندلس


العمارة في الاندلس تعتبر من أجمل وأغنى الأنماط المعمارية التي ظهرت في التاريخ. تطورت العمارة الأندلسية خلال فترة الحكم الإسلامي في إسبانيا، و امتازت بمزجها بين الطرز الإسلامية والعناصر المحلية والتأثيرات الرومانية و القوطية.

هنا بعض أبرز المعالم المعمارية في الأندلس:


1. قصر الحمراء في غرناطة: 

  - يُعتبر قصر الحمراء (بالإسبانية la Alhambra) أحد أعظم إنجازات العمارة الإسلامية في الأندلس. قصر شيّده سلاطين بني الأحمر المسلمين في غرناطة - إسبانيا، يتميز القصر بجماله الفائق و حدائقه الرائعة و زخارفه الفريدة من نوعها. الباحات المزينة بالأعمدة و الأقواس والنوافير هي معالم بارزة في هذا القصر.

قصر الحمراء


وهو بهو مستطيل الشكل أبعاده (35م × 20م) تحيط به من الجهات الأربع أروقة ذات عقود يحملها /124/ عمودًا من الرخام الأبيض صغيرة الحجم وعليها أربع قباب مضلّعة. في وسط البهو (نافورة الأسود)، على حوضها المرمري المستدير اثنا عشر أسدًا من الرخام، تخرج المياه من أفواهها بحسب ساعات النهار والليل.


 


2. مسجد قرطبة:

مسجد قرطبة 


   - يُعرف أيضًا بالمسجد الكبير أو الكاتدرائية-المسجد. هذا المبنى هو مثال رائع على العمارة الإسلامية بفضل قاعته الواسعة المزينة بالأعمدة و الأقواس مزدوجة الألوان. 


مسجد قرطبة من الداخل


بعد إعادة الاستيلاء على المدينة من قبل المسيحيين، تم تحويل المسجد إلى كاتدرائية.


3. قصر المورق (الكازار) في إشبيلية:

قصر المورق في اشبيلية 


   - هذا القصر الملكي(بالإسبانية Alcázar) يعكس الطراز المعماري الإسلامي بشكل رائع، مع حدائقه الجميلة و أروقته المزخرفة بأجمل النقوش. تم توسيعه وتزيينه بعد استعادة المسيحيين للمدينة، ليصبح مزيجًا رائعًا من الطرز المعمارية المختلفة.

قصر المورق



4. مدينة الزهراء:

مدينة الزهراء


   - كانت هذه المدينة الملكية تقع بالقرب من قرطبة، في عام 1000 للميلاد، ووسط أوروبا المسيحية امتدت مملكة إسلامية في شبه القارة الأيبيرية، بنى خليفتها القوي أضخم قصر في ذلك الزمان، في براعة وتقنية سابقة لعصرها، وأطلق عليها “مدينة الزهراء”،شُيدت بأمر من الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث. تُعد مدينة الزهراء مثالاً رائعًا على العمارة الإسلامية والتخطيط الحضري في الأندلس

مدينة الزهراء 


و ما تزال المدينة لم تبح بالكثير من أسرارها، رغم عمليات التنقيب الحثيثة في موقع المدينة ومواقع أخرى من الأندلس، لمعرفة تاريخ مدينة الزهراء المذهلة الواقعة في جبل الشارات جنوب إسبانيا، وهي تبدو للوهلة الأولى موحشة قليلة الكثافة السكانية، ولكن قبل ألف عام اختارها ملك قوي لبناء عاصمة ملكه المهيب.


مدينة الزهراء


تُعتبر العمارة الأندلسية  من روائع الفن الإسلامي وتمثل مرحلة مهمة في تاريخ العمارة العالمية. تميزت باستخدام المواد المحلية، والزخارف الهندسية والنباتية، والخط العربي، مما أعطى هذه المباني طابعًا فريدًا يعكس التنوع الثقافي والازدهار الفني والعلمي الذي شهدته الأندلس.

و جدير بالذكر أن الشاعر إبن زيدون ذكرها في إحدى قصائده مخاطباً حبيبته الأميرة ولادة بنت المستكفي، حيث قال:

إِنّي ذَكَرتُكِ بِالزَّهْراءَ مُشتاقاً
وَالأُفقُ طَلقٌ وَمَرأى الأَرضِ قَد راقا
وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِ
كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا
وَالرَوضُ عَن مائِهِ الفِضِيِّ مُبتَسِمٌ
كَما شَقَقتَ عَنِ اللَبّاتِ أَطواقا
يَومٌ كَأَيّامِ لَذّاتٍ لَنا انصَرَمَت
بِتنا لَها حينَ نامَ الدَهرُ سُرّاقا
نَلهو بِما يَستَميلُ العَينَ مِن زَهَرٍ
جالَ النَدى فيهِ حَتّى مالَ أَعناقا
كَأَنَّ أَعيُنَهُ إِذ عايَنَت أَرَقي
بَكَت لِما بي فَجالَ الدَمعُ رَقراقا
وَردٌ تَأَلَّقَ في ضاحي مَنابِتِهِ
فَازدادَ مِنهُ الضُحى في العَينِ إِشراقا
سَرى يُنافِحُهُ نَيلوفَرٌ عَبِقٌ
وَسنانُ نَبَّهَ مِنهُ الصُبحُ أَحداقا
كُلٌّ يَهيجُ لَنا ذِكرى تَشَوُّقِنا
إِلَيكِ لَم يَعدُ عَنها الصَدرُ أَن ضاقا
لا سَكَّنَ اللَهُ قَلباً عَقَّ ذِكرَكُمُ
فَلَم يَطِر بِجَناحِ الشَوقِ خَفّاقا
لَو شاءَ حَملي نَسيمُ الصُبحِ حينَ سَرى
وافاكُمُ بِفَتىً أَضناهُ ما لاقى
لَو كانَ وَفّى المُنى في جَمعِنا بِكُم
لَكانَ مِن أَكرَمِ الأَيّامِ أَخلاقا
يا عَلقِيَ الأَخطَرَ الأَسنى الحَبيبَ إِلى
نَفسي إِذا ما اِقتَنى الأَحبابُ أَعلاقا
كانَ التَجارِي بِمَحضِ الوُدِّ مُذ زَمَنٍ
مَيدانَ أُنسٍ جَرَينا فيهِ أَطلاقا
فَالآنَ أَحمَدَ ما كُنّا لِعَهدِكُمُ
سَلَوتُمُ وَبَقينا نَحنُ عُشّاقا


الشعر الأندلسي 

الشعر الأندلسي: هو نوع من الشعر العربي الذي ازدهر في الأندلس خلال فترة الحكم الإسلامي. تميز هذا الشعر بأسلوبه المميز الذي يجمع بين الفخامة والبساطة، ويعبر عن جمال الطبيعة والحب والحياة اليومية. كان للشعر الأندلسي تأثير كبير على الأدب العربي لاحقاً، وكذلك على الأدب الأوروبي. 

هنا بعض الخصائص والمواضيع البارزة في الشعر الأندلسي:

1. الغزل:

   - تميز الشعر الأندلسي بالغزل الرقيق الذي يعبر عن مشاعر الحب والعشق. كان الشاعر الأندلسي يستوحي أشعاره من جمال الطبيعة المحيطة به، مما أضفى على أشعاره رونقًا خاصًا.


2. الطبيعة:

   - الطبيعة كانت موضوعًا محوريًا في الشعر الأندلسي. وصف الشعراء الحدائق والبساتين والأنهار والجبال بأوصاف غنية و بديعة تعكس جمال البيئة الأندلسية.


3. الموشحات:

   - تعتبر الموشحات من أبرز إبداعات الشعر الأندلسي. الموشح هو شكل شعري يعتمد على الوزن والقافية ولكنه يتميز بتنوع الأبيات واللحن، مما يجعله مناسبًا للغناء. من أشهر شعراء الموشحات ابن زهر وابن زيدون.


4. الحنين والغربة:

   - بعد سقوط الأندلس، عبّر العديد من الشعراء الأندلسيين عن مشاعر الحنين للوطن المفقود والغربة في أرض المهجر. هذه القصائد كانت مؤثرة بشكل كبير وتعكس عمق الألم و الحزن.

بعض الشعراء الأندلسيين البارزين:

- ابن زيدون: شاعر مشهور بغزله الرقيق وخاصة قصائده إلى ولادة بنت المستكفي. قصيدته "أضحى التنائي" من أشهر قصائده.
وقد ولد أبو الوليد أحمد بن زيدون بقرطبة سنة 394هـ/1003م، ويعد واحداً من أهم شعراء الأندلس فى عصره، تمتع بمكانة كبيرة في زمنه، أما ولادة فهى واحدة من أشهر نساء الأندلس، وإحدى الأميرات من بنى أمية، وهى واحدة من النساء النابغات فى الشعر وفنون القول، تبوأت مكانة عالية فى مجتمعها، وحازت صيتًا واسعًا بسبب ثقافتها، وجمالها ..
وقد تم عمل نصب تذكاري في قرطبة وفيه يدان تتلامسان تحاكيان يد الشاعرة "ولادة بنت المستكفي" و يد حبيبها الشاعر "ابن زيدون" مكتوب على التمثال أبيات شعر عربية لكل من ابن زيدون وولادة، وترجمت هذه الأبيات أيضا بالإسبانية. 

نصب تذكاري


- ابن خفاجة: شاعر الطبيعة البارز، الذي وصف جمال الطبيعة الأندلسية بتفاصيل رائعة.
ابنُ خفاجةَ هو الشاعرُ، والكاتبُ أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ أبي الفَتح بن عبدالله بن خَفاجةَ الأَندلسيّ، وُلِد في العامِ أربعمئةٍ وخمسين للهجرة (1058م) في جزيرةٍ أندلسيّةٍ تُسمَّى شَقَر، والتي تقعُ في الجزءِ الشرقيِّ من الأندلس (قديماً)، كما أنّه نشَأَ، وترعرعَ في هذه الجزيرةِ ذاتِ الطبيعةِ الرائعةِ التي كانَ لها الأثرُ البارزُ في تكوينِ شخصيّته الشِّعريّةِ، ولأنَّ أباه كانَ من كبارِ أعيانِ المدينةِ آنذاك، فقد اختلطَ ابنُ خفاجةَ منذُ صغرِه بكبارِ العُلماءِ، وطلبَ العلمَ على أيديهم حتى أصبحَ واحداً من أبرزِ شُعراءِ الأندلسِ خلالَ القرنَين: الخامسِ، والسادسِ الهجريّين. 


ابن خفاجة

قصيدة إبن خفاجة في وصف الجبل

بَعَيشِكَ هَل تَدري أَهوجُ الجَنائِبِ

تَخُبُّ بِرَحلي أَم ظُهورُ النَجائِبِ

فَما لُحتُ في أولى المَشارِقِ كَوكَباً

فَأَشرَقتُ حَتّى جِئتُ أُخرى المَغارِبِ

وَحيداً تَهاداني الفَيافي فَأَجتَلي

وَجوهَ المَنايا في قِناعِ الغَياهِبِ

وَلا جارَ إِلّا مِن حُسامٍ مُصَمَّمٍ

وَلا دارَ إِلّا في قُتودِ الرَكائِبِ

وَلا أُنسَ إِلّا أَن أُضاحِكَ ساعَةً

ثُغورَ الأَماني في وُجوهِ المَطالِبِ

وَلَيلٍ إِذا ماقُلتُ قَد بادَ فَاِنقَضى

تَكَشَّفَ عَن وَعدٍ مِنَ الظَنِّ كاذِبِ

سَحَبتُ الدَياجي فيهِ سودَ ذَوائِبٍ

لِأَعتَنِقَ الآمالَ بيضَ تَرائِبِ

فَمَزَّقتُ جَيبَ اللَيلِ عَن شَخصِ أَطلَسٍ

تَطَلَّعَ وَضّاحَ المَضاحِكِ قاطِبِ

رَأَيتُ بِهِ قِطعاً مِنَ الفَجرِ أَغبَشاً

تَأَمَّلَ عَن نَجمٍ تَوَقَّدَ ثاقِبِ

وَأَرعَنَ طَمّاحِ الذُؤابَةِ باذِخٍ

يُطاوِلُ أَعنانَ السَماءِ بِغارِبِ

يَسُدُّ مَهَبَّ الريحِ عَن كُلِّ وُجهَةٍ

وَيَزحَمُ لَيلاً شُهبَهُ بِالمَناكِبِ

وَقورٍ عَلى ظَهرِ الفَلاةِ كَأَنّهُ

طِوالَ اللَيالي مُفكِّرٌ في العَواقِبِ

يَلوثُ عَلَيهِ الغَيمُ سودَ عَمائِمٍ

لَها مِن وَميضِ البَرقِ حُمرُ ذَوائِبِ

أَصَختُ إِلَيهِ وَهوَ أَخرَسُ صامِتٌ

فَحَدَّثَني لَيلُ السُرى بِالعَجائِبِ

وَقالَ أَلا كَم كُنتُ مَلجَأَ قاتِلٍ

وَمَوطِنَ أَوّاهٍ تَبَتَّلَ تائِبِ

وَكَم مَرَّ بي مِن مُدلِجٍ وَمُؤَوِّبٍ

وَقالَ بِظِلّي مِن مَطِيٍّ وَراكِبِ

وَلاطَمَ مِن نُكبِ الرِياحِ مَعاطِفي

وَزاحَمَ مِن خُضرِ البِحارِ غَوارِبي

فَما كانَ إِلّا أَن طَوَتهُم يَدُ الرَدى

وَطارَت بِهِم ريحُ النَوى وَالنَوائِبِ

فَما خَفقُ أَيكي غَيرَ رَجفَةِ أَضلُعٍ

وَلا نَوحُ وُرقي غَيرَ صَرخَةِ نادِبِ

وَما غَيَّضَ السُلوانَ دَمعي وَإِنَّما

نَزَفتُ دُموعي في فِراقِ الصَواحِبِ

فَحَتّى مَتى أَبقى وَيَظعَنُ صاحِبٌ

أُوَدِّعُ مِنهُ راحِلاً غَيرَ آيِبِ

وَحَتّى مَتى أَرعى الكَواكِبَ ساهِراً

فَمِن طالِعٍ أُخرى اللَيالي وَغارِبِ

فَرُحماكَ يا مَولايَ دِعوَةَ ضارِعٍ

يَمُدُّ إِلى نُعماكَ راحَةَ راغِبِ

فَأَسمَعَني مِن وَعظِهِ كُلَّ عِبرَةٍ

يُتَرجِمُها عَنهُ لِسانُ التَجارِبِ

فَسَلّى بِما أَبكى وَسَرّى بِما شَجا

وَكانَ عَلى عَهدِ السُرى خَيرَ صاحِبِ

وَقُلتُ وَقَد نَكَّبتُ عَنهُ لِطِيَّةٍ

سَلامٌ فَإِنّا مِن مُقيمٍ وَذاهِبِ



- ابن زهر: اشتهر بموشحاته الجميلة التي لا تزال محبوبة حتى اليوم.




ابن زهر الإشبيلي ابن زهر الإشبيلي أو عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن مروان أو أبو مروان هو أحد الأطباء المسلمين الأندلسيين والمعروفين في إشبيلة، ولد فيها عام 1072م أي 465هـ، سكنت عائلته الأندلس بداية من القرن العاشر إلى بداية القرن الثالث عشر ميلادي، وهي عائلة عريقة في مهنة الطب، إذ كان والده أبو العلاء أحد الأطباء المتفوّقين في مجال عملهم، كما جده أيضاً طبيباً ماهراً.
- أبو البقاء الرندي: صالح بن يزيد (أبي الحسن) بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف، أبو الطيب وأبو البقاء النفزي الرندي.شاعر أندلسي. من القضاة له علم بالحساب والفرائض. من قبيلة نفزة البربرية. من أهل رندة. أقام بمالقة شهراً، وأكثر التردد إلى غرناطة: يسترفد ملوكها. واجتمع فيها بلسان الدين ابن الخطيب، قال ابن عبد الملك: كان خاتمة الأدباء بالأندلس. وقال ابن الخطيب: له تآليف أدبية وقصائد زهدية، و (مقامات) في أغراض شتى وكلامه نظماً ونثراً مدون. ألف مختصراً في الفرائض وآخر في صنعة الشعر سماه (الوافي في علم القوافي - خ) منه نسخة في الخزانة العامة بتطوان (الرقم 491) 83 ورقة و (روضة الأنس ونزهة النفس - خ) جزء أو قطعة منه. 


ومن أكثر قصائده روعة نونيته التي قال فيها:

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ
وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ
إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو
كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ
وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ
وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ
وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ
حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ
كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ
وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ
كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ
يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ
فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ
وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ
وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها
وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ
هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت
حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ
وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم
مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ
وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما
عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ
كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ
قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما
فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ
حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ
إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ
أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها
وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ
أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً
كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ
وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً
كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ
وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ
لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ


مثال على الشعر الأندلسي:

قصيدة ابن زيدون إلى ولادة بنت المستكفي:

أَضحَى التّنائي بَديلاً مِنْ تَدانِينَا
وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
ألا وقد حانَ صبح البينِ صبحُنا
حينَ فقامَ بنا للحينِ ناعينا
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهمُ
حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا
أن الزمان الذي ما زال يضحكنا
أنساً بقربهم قد عاد يبكينا


الشعر الأندلسي يمثل فترة زاهية من تاريخ الأدب العربي، حيث أبدع الشعراء في تصوير جمال الحياة والطبيعة والمشاعر الإنسانية. بأسلوب فريد وجميل.

تعليقات

عدد التعليقات : 0